صيف لا يرحل





بعد شهرين من وجودي في لندن، اكتشفت أن كل العادات التي كنت أعتقد أنه من السهل ممارستها هنا، لم أعد أمارسها أبدًا! وشعرت أني بشكل أو بآخر عدت إلى نقطة الصفر. وكأن كل مجهودي في بناء عادات صحية "ما كان له فايدة". عندما عدت بالذاكرة لأفكاري ما قبل السفر اكتشفت أنها كانت شاعرية جدًا: "راح أقوم من النوم الصباح بدري أروح أجري وأشتري كوب قهوة وأنا راجعة البيت" "سأقرأ كتابي وأنا في الحديقة" "راح أسوي أكلي بنفسي كل يوم وأستمتع وأنا أطبخ". كل هذه الأفكار من السهل جدًا إنها تصير واقعية، ولكن وقتها لم أدرك صعوبة المرحلة. لم أدرك أن التغيير سيكون أكبر من تغيير الموقع الجغرافي فقط

اكتشفت أن التغيير الجغرافي كان هو الأسهل



التغيير كان جذري: بدل ما أصحى سيارتي برى وقت ما أبغى أطلع، لازم أجدول وقت خروجي "لأن القطار مو على كيفي". لمن أرجع من الجامعة ماراح ألاقي أكل صحي ينتظرني بالبيت. الشمس تشرق الساعة ٧ وتغرب الساعة ٣، إذا بسوي رياضة بالنهار الوقت محدود جدًا خصوصًا الأيام اللي ما أكون فيها في البيت. إذا بطلع مع صديقاتي لازم أركز في مواعيد القطار عشان أقدر أرجع في وقت مناسب لمواعيد نومي. تغييرات جدًا كثيرة لم أكن مدركة مدى إحتياجي للتأقلم معها

بالتأكيد أنه من السهل أخذها كأعذار ولكن المقصد هو أنني أحتاج لوقت كافي لكي أعيد ترتيب حياتي بشكلها الجديد. شكل يتناسب مع طريقتها الجديدة مو مع "ريلز انستقرام او بوردز بينترست". كان من السهل وأنا في جدة تخيل حياة مثالية "الجو حلو، فيه خضار في كل مكان، محلات القهوة......." ولكن هذه الأفكار لم تكون واقعية. لم تكن كذلك لأن ما يفصلني عن هذه الحياة ليس ٦ ساعات بالطيارة. ما يفصلني عن هذه الحياة هو أسابيع وشهور إلى أن أكتشف روتين مناسب لها 

ما أدركته بالفعل: هو أنني يجب أن أكون حنونة مع ذاتي. لأن التجربة تكمن في كل هذه التفاصيل. المتعة الحقيقية تكمن في كل هذه الأيام اللي قاعدة أكتشف فيها كيف ممكن تكون حياتي هنا. إذا قاعدة أعيش تجربتي بطريقتي الخاصة هذا لا يعني "إني قاعدة أضيع وقتي" فقط لأني مو قاعدة أعيش الحياة اللي كنت أتخيل إني ممكن أعيشها



اليوم قررت أفكر في حياتي هنا بطريقة جديدة. بعد مرور شهرين أدركت أنه كان من الصعب التأقلم على كل تلك المشاعر الجديدة التي أمر بها. أن التغيير كان أعمق من توقعاتي. مع مرور الأيام والأسابيع بدأت أحاول فك تلك المشاعر، تلك الأبعاد، تلك الطبقات لكي أتعرف على نفسي في لندن. بعد مرور شهرين أصبحت أملك معلومات كافية لكيف أقدر أدخل عاداتي الصحية في روتين جديد يتناسب مع حياتي هنا. بعد مرور شهرين أعلم أنني لم أعد أريد أن أعيش هذه المرحلة على أوهامي وتخيلاتي لكيف ممكن تكون. بعد مرور شهرين أريد أن أقضي وقت أكثر مع ذاتي وأعيد ترتيب أولوياتي لكي أتمكن من خلق روتين جديد. بعد مرور شهرين أعلم جيدًا أن جمال المرحلة هو بكل تلك التفاصيل وبكل تلك الحوارات مع نفسي، أدرك جيدًا "في وسط الشتاء البارد، وجدت، داخلي، صيف لا يرحل".  ا لبيرت كاموس