المرة القادمة، حدثني عني
حدثني عن أي موضوع وسأتحدث لك بطلاقة؛ إسألني عني سأتلعثم وأضيع الحديث، ولا أعلم ما السر. أطيل الحديث عن ذلك الفريق، وهذا المشروع وتلك المدينة التي زرتها الصيف الماضي، ولكن لا تسألني عني. فإن سألتني لن يطول حديثنا ولن تطول إجاباتي. أكاد أجزم أني أعرف نفسي جيدًا وأعرف ما تحب وما تكره، فمالي لا أطيق الحديث عنها؟ تسألني صدقيتي عن رأيي في ذلك الحدث وأرد بوضوح وبشفافية تامة ولكنها لم تسألني عني. يسألني زميلي في الجامعة عن السعودية ولا يقاطعني في حديثي الذي امتد طويلًا إلا بدء المحاضرة، ولكنه لم يسألني عني
أعود لتلك اللحظات وأفكر، أفكر كثيرًا لماذا لا أطيق الحديث عني؟
أعود بشعوري تجاهي، أحلل طبقات هذا الشعور، أفكر وأطيل التفكير، أهوجس وأجزم أني أخاف من الحديث عني. سبب هذا الخوف غير معروف. فمن الممكن أني أخاف أن أقول الشيء الخاط أو أُفهم بشكلٍ خاطئ، ربما لم أثق أبدًا بأن هناك من هو مهتم بشكلٍ كافي لسماعي. وسماع تناقضاتي، ربما لم أثق يومًا في معتقداتي ومشاعري ونظرتي للأمور. ربما يكون شعوري دائمِا أني أشارك كثيرًا، فأجد أني بشكل واعي أو غير واعي لا أشارك أي شيء
وحتى حين أشارك شيئًا أفكر بعدها هذه ليست حقيقتي فلماذا قلت ذلك؟ أعود لهواجيسي وأفكاري وأفكر لماذا لا أتحدث عني؟ ومن هي أنا؟
فأنا التضاد من الأمور، أنا سأجلس معك في صمت لا تشعر بغربة فيه ولكن سأضحك بأعلى صوت، أنا أحب الشمس كثيرًا بشروط وأحب السماء وهي رمادية ، أنا لن أتحدث عن نفسي وأطيل الحديث ولكني أعرفها جيدًا، أنا أملك آراء في أغلب جوانب الحياة ولكنك لن تسمعني أتحدث عنها إلا قليلًا ، أنا شخص قلق جدًا وشخص واثق. شخص عقلاني وشخص عاطفي. أنا هادئة ولكنك ستجدني أقفز أو أركض في شارع عام بدون سابق إنذار، أنا خجولة ولكن ستجدني أرقص في وسط القطار
ربما تناقضاتي تحدني، أو ربما أني من وعيت على الدنيا وأنا أُلقَّن أن حديثي عن ذاتي غير مهم
فقررت اليوم أن أتحدى ذلك الجزء مني، الجزء الذي لا نراه ولكن يؤثر في كل دقيقة في حياتنا، عقلي اللاواعي. فتلك المعتقدات التي آمنت بها طويلًا لا تشبهني بعد الآن. من نظرتي لذاتي أو من مخاوفي من مشاركة ذاتي مع العالم أو من إصراري التام أن أكون مثالية. فمن اليوم إسألني عني وسأطيل الحديث، من الممكن أني سأتلعثم ولكني سأحاول، سأحاول إلى أن أتحدث عني بشكل يليق بي
ففي محادثتنا القادمة إسألني عني وأسأل عن طبقاتي وتناقضاتي
فمن الممكن أن أفاجئك